قسنطينة أمازيغية ليبيقية يا عثمان سعدي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قسنطينة أمازيغية ليبيقية يا عثمان سعدي
يقول السيد عثمان سعدي إن الفينيقيين أتوا في النصف الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد وهذا الكلام غير صحيح. كل الدراسات وعلى رأسها كتاب الفنيقين والغرب The Phoenicians and the West للمؤرخة ماريا اوجينا، يعطي لنصب نورا Stele Di Nora والذي اكتشف سنة 1773 بجزيرة سردينيا، مدة اقصاها 730 سنة قبل الميلاد. وكل الكرة الأرضية تعرف أن وصول الملكة إليزا إلى السواحل التونسية إثر خلافها مع أخيها بيغماليون في صور اللبنانية، تزامن مع هذه الحقبة.
وبالاستدلال بأحسن عمل في تاريخ قبائل المملكة العربية السعودية، الأردن واليمن لصاحبه وهبي حريري الرفاعي ونأخذ المثال القحطاني. يحدد المؤرخ المحترم الحقبة القحطانية أساسا في ارتحالهم من دجلة والفرات إلى اليمن في تسلسل للحضارات السبئية 800 إلى 850 سنة قبل الميلاد ثم الحِمْيَرية بحوالي 200 سنة قبل الميلاد. إذا ربطنا البربر بالقحطانيين تسقط نظرية الكاتب عثمان سعدي . ثم إذا حاولنا أخذ المراجع الجامعية كـ PrincetonUniversity الأمريكية وخاصة في المعادلة Demography-Epigraphy نجد أن الأمازيغ الليبيقيين كانوا أكثر عددا بكثير من كل سكان شبه الجزيرة العربية عند وصول الملكة إليزا، وأقدم منهم بمئات السنين لماذا؟. لأن التغيرات المناخية في المربع الأمازيغي الممتد من جيزيس (Gyzis) 195 كلم غرب الإسكندرية في مصر الى السويرة (Mogador) بالمغرب، والذي يتوسع جنوب شرقا إلى أن يصل القبائل الأمازيغية أوزو (Ouzou) وتيبستي (Tibesti) بتشاد وشمال دارفور بالسودان وجنوبا الى اودالن (Udalen) ببوركينافاسو، كل هذه المنطقة تعرضت لتغيرات مناخية سهلت الحياة وخاصة عند الأمازيغي القديم المعروف بالصياد المقتطف chasseur - Cueilleur. لنا مدلول آخر ودامغ وهو السكان الأصليين لمنطقة الطاسيلي ومنطقة جرمة بليبيا الحالية. هنا لا أحد يستطيع أن يزايد على العمل الذي قام به Pierre Pinta حول الأمازيغ الليبيين حين أعطى بعض الرسومات، عمرا يناهز الأربعة آلاف سنة. من الأجدر أن نوضح أن استعمال العجلة في جرارات قبائل غات كان قبل ميلاد عدنان الأب الأول لعرب الشمال أو العدنانيين وهذا بـ 2500 سنة.
أما في قضية مدينة قسنطينة والتي حاول الكاتب ربطها بكلمة قيرطا الموجودة في العربية القديمة ومعناها قرية فهذا التعليل ليس لسانيا على الإطلاق. جميع الدراسات في أسماء الأماكن toponymie بالفرنسي تعطي صفة الأمازيغي القديم أي الليبيقي Lybic لأسماء الأشخاص والأماكن التي تنتهي بA، دون ان ننكر بعض الخصوصية البونيقية في اسماء تنتهي ب ALكهيمبسال او هادربال. ثم إنه ما هذا المعنى الجديد في التعريف غير التاريخي للعربية القديمة لأن كلمة قرية تعني قرية وهي آرامية الأصل ولم تتغير ولم تكن إطلاقا قيرطا، المشكلة أن الأستاذ الذي يدافع عن العربية يجهل التطور اللغوي للعربية منذ السنة 166 قبل الميلاد وانفصالها التدريجي عن الآرامية حتى نزول القرآن الكريم في 611 بعد الميلاد. أضف إلى هذا دخول الجماليات والتحسينات خاصة في عهد العباسيين أو بما يعرف بالإنجليزية articulatory phonetics alteration إثر التأثير على لغات والتأثر بلغات وهذا ما جعل العربية لغة أوسع تتسم بخصوصية في علم الكلام. إن كلمة "سيرتا" حتى من ناحية التركيبة لا تخضع أبدا لمقياس عربي لأن سيرتا أقدم والأكيد أنها لا تختلف في منشئها عن مدينة Carteia التى أسسها هيركل Hercule جنوب إسبانيا على مضيق جبل طارق. يقول hesychius of Alexandria عالم القواعد اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد والمدافع على يونانية الأسماء، أن اسم هذا المكان كان يسمى قبل هزيمة هيركل في إسبانيا واندثار جنوده وهروبهم إلى الضفة الجنوبية بـ : Melicerta يراها آخرون بونيقية الأصل أي اللغة التي انفصلت بدورها من الفينقية وتاثرت بالليبيقة الأمازيغية. فلغة قسنطينة كانت اللغة الأمازيغية والمعروفة بالليبيقية (Lybic Language) وهذا بالمفهوم الإقليمي _ الديمغرافي والثقافي- رغم اعتراف المتخصصين في الكتابات الصخرية (Epigraphy)، أن اللغة البونيقية (Punic) والإغريقية القديمة (Hellenic) كانتا تستعملان في التجمعات الحضرية وكذا للتواصل مع مملكة قرطاج. وأحسن إثبات على ما نقول هي النصب الموجود في قلعة عتبان بأثار دوقة التونسية (Douga) أي الموطن الأصلي لماسينيسا، فلنذكر أنه في سنة 1631، وفي هذا المكان تم العثور بالإضافة إلى مخطوطة صخرية بونيقية، على مخطوطة صخرية باللغة الليبيقية القديمة تمجد ماسينيسا وهي موجودة الآن في المتحف البريطاني بلندن على شارع (G.Russel) منذ 1852 . زيادة على ذلك أريد أن ألفت الانتباه الى الجرد الجزئي لـ1344 كتابة صخرية ليبيقية التي وجدت في شمال شرق الجزائر وتونس وأشهرها مزهرية تديس (Tiddis) بولاية ميلة بالقطر الجزائري.
بقلم الاستاذ : زوايمية العربي
وبالاستدلال بأحسن عمل في تاريخ قبائل المملكة العربية السعودية، الأردن واليمن لصاحبه وهبي حريري الرفاعي ونأخذ المثال القحطاني. يحدد المؤرخ المحترم الحقبة القحطانية أساسا في ارتحالهم من دجلة والفرات إلى اليمن في تسلسل للحضارات السبئية 800 إلى 850 سنة قبل الميلاد ثم الحِمْيَرية بحوالي 200 سنة قبل الميلاد. إذا ربطنا البربر بالقحطانيين تسقط نظرية الكاتب عثمان سعدي . ثم إذا حاولنا أخذ المراجع الجامعية كـ PrincetonUniversity الأمريكية وخاصة في المعادلة Demography-Epigraphy نجد أن الأمازيغ الليبيقيين كانوا أكثر عددا بكثير من كل سكان شبه الجزيرة العربية عند وصول الملكة إليزا، وأقدم منهم بمئات السنين لماذا؟. لأن التغيرات المناخية في المربع الأمازيغي الممتد من جيزيس (Gyzis) 195 كلم غرب الإسكندرية في مصر الى السويرة (Mogador) بالمغرب، والذي يتوسع جنوب شرقا إلى أن يصل القبائل الأمازيغية أوزو (Ouzou) وتيبستي (Tibesti) بتشاد وشمال دارفور بالسودان وجنوبا الى اودالن (Udalen) ببوركينافاسو، كل هذه المنطقة تعرضت لتغيرات مناخية سهلت الحياة وخاصة عند الأمازيغي القديم المعروف بالصياد المقتطف chasseur - Cueilleur. لنا مدلول آخر ودامغ وهو السكان الأصليين لمنطقة الطاسيلي ومنطقة جرمة بليبيا الحالية. هنا لا أحد يستطيع أن يزايد على العمل الذي قام به Pierre Pinta حول الأمازيغ الليبيين حين أعطى بعض الرسومات، عمرا يناهز الأربعة آلاف سنة. من الأجدر أن نوضح أن استعمال العجلة في جرارات قبائل غات كان قبل ميلاد عدنان الأب الأول لعرب الشمال أو العدنانيين وهذا بـ 2500 سنة.
أما في قضية مدينة قسنطينة والتي حاول الكاتب ربطها بكلمة قيرطا الموجودة في العربية القديمة ومعناها قرية فهذا التعليل ليس لسانيا على الإطلاق. جميع الدراسات في أسماء الأماكن toponymie بالفرنسي تعطي صفة الأمازيغي القديم أي الليبيقي Lybic لأسماء الأشخاص والأماكن التي تنتهي بA، دون ان ننكر بعض الخصوصية البونيقية في اسماء تنتهي ب ALكهيمبسال او هادربال. ثم إنه ما هذا المعنى الجديد في التعريف غير التاريخي للعربية القديمة لأن كلمة قرية تعني قرية وهي آرامية الأصل ولم تتغير ولم تكن إطلاقا قيرطا، المشكلة أن الأستاذ الذي يدافع عن العربية يجهل التطور اللغوي للعربية منذ السنة 166 قبل الميلاد وانفصالها التدريجي عن الآرامية حتى نزول القرآن الكريم في 611 بعد الميلاد. أضف إلى هذا دخول الجماليات والتحسينات خاصة في عهد العباسيين أو بما يعرف بالإنجليزية articulatory phonetics alteration إثر التأثير على لغات والتأثر بلغات وهذا ما جعل العربية لغة أوسع تتسم بخصوصية في علم الكلام. إن كلمة "سيرتا" حتى من ناحية التركيبة لا تخضع أبدا لمقياس عربي لأن سيرتا أقدم والأكيد أنها لا تختلف في منشئها عن مدينة Carteia التى أسسها هيركل Hercule جنوب إسبانيا على مضيق جبل طارق. يقول hesychius of Alexandria عالم القواعد اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد والمدافع على يونانية الأسماء، أن اسم هذا المكان كان يسمى قبل هزيمة هيركل في إسبانيا واندثار جنوده وهروبهم إلى الضفة الجنوبية بـ : Melicerta يراها آخرون بونيقية الأصل أي اللغة التي انفصلت بدورها من الفينقية وتاثرت بالليبيقة الأمازيغية. فلغة قسنطينة كانت اللغة الأمازيغية والمعروفة بالليبيقية (Lybic Language) وهذا بالمفهوم الإقليمي _ الديمغرافي والثقافي- رغم اعتراف المتخصصين في الكتابات الصخرية (Epigraphy)، أن اللغة البونيقية (Punic) والإغريقية القديمة (Hellenic) كانتا تستعملان في التجمعات الحضرية وكذا للتواصل مع مملكة قرطاج. وأحسن إثبات على ما نقول هي النصب الموجود في قلعة عتبان بأثار دوقة التونسية (Douga) أي الموطن الأصلي لماسينيسا، فلنذكر أنه في سنة 1631، وفي هذا المكان تم العثور بالإضافة إلى مخطوطة صخرية بونيقية، على مخطوطة صخرية باللغة الليبيقية القديمة تمجد ماسينيسا وهي موجودة الآن في المتحف البريطاني بلندن على شارع (G.Russel) منذ 1852 . زيادة على ذلك أريد أن ألفت الانتباه الى الجرد الجزئي لـ1344 كتابة صخرية ليبيقية التي وجدت في شمال شرق الجزائر وتونس وأشهرها مزهرية تديس (Tiddis) بولاية ميلة بالقطر الجزائري.
بقلم الاستاذ : زوايمية العربي
الليث الأصفر- الملك
- عدد المساهمات : 804
تاريخ التسجيل : 08/05/2012
العمر : 44
رد: قسنطينة أمازيغية ليبيقية يا عثمان سعدي
ومازل الجدول حول امازيغية قسنطينة
أثارت مقاطعة الفنانيْن الأمازيغيين يدير ولونيس آيت منڤلات، لنشاط برنامج " قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" ردودَ أفعال جدالية لبعض المثقفين، منهم من أكـّد عروبة قسنطينة، ومنهم من أكـّد أمازيغيتها، وكلاهما قدّم رؤية تفتيتية بدل تقديم صورة شاملة.
وقبل أن أبدي رأيي في هذا الجدال، أودّ في البداية أن أعلق على موقف الفنانين المذكورين. فلئن كنت أقرّ لهما بالحق في اختيار ما يناسبهما من المواقف، فإنني لا أخفي أسفي على عدم مشاركتهما في هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة، باعتبارها فرصة سانحة تمكـّن الجزائريين أوّلا من تذوّق إبداعات عمالقة الأغنية القبائلية الأمازيغية، ولتمتين اللحمة بين المكوّنين العربي والأمازيغي في هويتنا الجزائرية. كما أنها فرصة تتيح لهما أداء دور "السفير" لتقديم صورة شاملة عن التنوع الثقافي الجزائري للعالم العربي، الذي يعتبر- تاريخيا- عمقا استراتيجيا لشمال إفريقيا منذ العهود القديمة.
وبالنسبة للجدال القائم حول ماهية هُوية مدينة قسنطينة (أهي أمازيغية أم عربية؟) فأخشى أن يكرّس علاقة تصادمية بين البعدين الأمازيغي والعربي في واقعنا الثقافي، نتيجة ترجيح المقاربة الإيديولوجية الضيّقة على المقاربة المعرفية. وكان من المفروض أن يختفي هذا الطرح التنافري، المنجب للبغضاء والشنآن بين أبناء الوطن الواحد، مباشرة بعد تعديل الدستور سنة 2002م، الذي أدرج الأمازيغية لغة وطنية ثانية.
لا أدري كيف سمح البعض لأنفسهم باختزال تاريخ قسنطينة في المكوّن العربي فقط؟ ولا أفهم كيف تجرّأ البعض الآخر على اختزال المدينة في المكوّن الأمازيغي فقط؟ لأن الحقيقة تؤكد أن المكوّنين معا يشكلان هوية المدينة. وإذا أردنا أن نقارن مقارنة مادية بين المكوّنين الأمازيغي والعربي في المدينة، فلا شك أن الكفة ستميل كل الميل لصالح الثقافة العربية باعتبارها ثقافة غالبة. لكن عندما يتعلق الأمر بمسألة الهوية والشخصية، فلا يصحّ أن نهمل المكوّن الآخر الواقع في ظل المكوّن القويّ، لما له من رمزية ثقافية وهوياتيّة.
علينا أن نتحلى بالروح العلمية وأن نقدم رؤية المؤرخ الموضوعية في تعاملنا مع تاريخ قسنطينة، وعلينا أن تستلهم الحكمة من موقف رائد النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس (وهو ابن قسنطينة) خادم الإسلام والعربية، الذي أكـّد انتماءه الأمازيغي، حينما وقـّع مقاله الموسوم: "ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان" باسم عبد الحميد بن باديس الصنهاجي (وصنهاجة قبيلة كبيرة من قبائل الأمازيغ).
ولعل من المجالات التي تجلت فيها "الرؤية الثاقبة" للحركة الإصلاحية الفكرية الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي، إبرازها للمكوّن الأمازيغي في تاريخ الجزائر لاعتبارات علمية وسياسية، هدفها بعث الروح الوطنية في صفوف الجزائريين. فقد أفاض كل من مبارك الميلي، وأحمد توفيق المدني، وعبد الرحمن الجيلالي، ومحمد علي دبوز، في الحديث عن الحقبة الأمازيغية في كتبهم.
وبالإضافة إلى ذلك، أدرج بعض شعراء الحركة الإصلاحية، المكوّن الأمازيغي ضمن اهتماماتهم التاريخية لنفس الاعتبارات، أذكر منهم علي سبيل المثال الشيخ أحمد سحنون ، الذي أشار إلى البعد الأمازيغي في قصيدة له بعنوان: "العامل الجزائري" حين قال:
أنا ابن الجزائر من <<>> لـه مثــل آبائـــيهْ؟
أنا ابن الأمازيغ لن <<>> أذل لأعــدائــــيهْ
وهكذا لا شيء يبرّر التنكر للبعد الأمازيغي في تاريخ قسنطينة. ومهما كان حماسنا للقومية العربية، فلا يجب أن نقفز على التاريخ. فهناك من الطرائق المعقولة ما يمكـّنـنا من خدمة مشروع الوحدة العربية، دون أن نتنكر للخصوصية المحلية، بدليل أن إخواننا المشارقة الحاضنين لمشروع القومية العربية بشكل كبير، قد عضوا بالنواجذ على عمقهم التاريخيّ. فقد جعل المصريون حضارة الفراعنة رمزا من رموز الدولة، كما تبوّأت الحضارة الفينيقية مقاما محمودا في هوية لبنان، أمّا في العراق فحدّث ولا حرج، إذ نجد الحضارات القديمة (السومرية والكلدانية والبابلية والآشورية) علامة بارزة في ثقافتها.
إن التاريخ كالنهر، هو سيل متدفق من الأحداث، فلا يمكن تجزئته وتفتيته إلى منبع وإلى مصب، فالنهر نهر بمنبعه ومصبه. ومدينة قسنطينة هي قسنطينة ببعديْها الأمازيغي والعربي. واختيارها عاصمة للثقافة العربية لسنة 2015م، هي فرصة سانحة لتمتين اللحمة مع وعائنا الحضاري الأكبر، وعاء الحضارة العربية الإسلامية التي جعل الله لها التنوع الثقافي وتعدد الألسن آية من آياته.
بقلم
ارزقي فراد
أثارت مقاطعة الفنانيْن الأمازيغيين يدير ولونيس آيت منڤلات، لنشاط برنامج " قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" ردودَ أفعال جدالية لبعض المثقفين، منهم من أكـّد عروبة قسنطينة، ومنهم من أكـّد أمازيغيتها، وكلاهما قدّم رؤية تفتيتية بدل تقديم صورة شاملة.
وقبل أن أبدي رأيي في هذا الجدال، أودّ في البداية أن أعلق على موقف الفنانين المذكورين. فلئن كنت أقرّ لهما بالحق في اختيار ما يناسبهما من المواقف، فإنني لا أخفي أسفي على عدم مشاركتهما في هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة، باعتبارها فرصة سانحة تمكـّن الجزائريين أوّلا من تذوّق إبداعات عمالقة الأغنية القبائلية الأمازيغية، ولتمتين اللحمة بين المكوّنين العربي والأمازيغي في هويتنا الجزائرية. كما أنها فرصة تتيح لهما أداء دور "السفير" لتقديم صورة شاملة عن التنوع الثقافي الجزائري للعالم العربي، الذي يعتبر- تاريخيا- عمقا استراتيجيا لشمال إفريقيا منذ العهود القديمة.
وبالنسبة للجدال القائم حول ماهية هُوية مدينة قسنطينة (أهي أمازيغية أم عربية؟) فأخشى أن يكرّس علاقة تصادمية بين البعدين الأمازيغي والعربي في واقعنا الثقافي، نتيجة ترجيح المقاربة الإيديولوجية الضيّقة على المقاربة المعرفية. وكان من المفروض أن يختفي هذا الطرح التنافري، المنجب للبغضاء والشنآن بين أبناء الوطن الواحد، مباشرة بعد تعديل الدستور سنة 2002م، الذي أدرج الأمازيغية لغة وطنية ثانية.
لا أدري كيف سمح البعض لأنفسهم باختزال تاريخ قسنطينة في المكوّن العربي فقط؟ ولا أفهم كيف تجرّأ البعض الآخر على اختزال المدينة في المكوّن الأمازيغي فقط؟ لأن الحقيقة تؤكد أن المكوّنين معا يشكلان هوية المدينة. وإذا أردنا أن نقارن مقارنة مادية بين المكوّنين الأمازيغي والعربي في المدينة، فلا شك أن الكفة ستميل كل الميل لصالح الثقافة العربية باعتبارها ثقافة غالبة. لكن عندما يتعلق الأمر بمسألة الهوية والشخصية، فلا يصحّ أن نهمل المكوّن الآخر الواقع في ظل المكوّن القويّ، لما له من رمزية ثقافية وهوياتيّة.
علينا أن نتحلى بالروح العلمية وأن نقدم رؤية المؤرخ الموضوعية في تعاملنا مع تاريخ قسنطينة، وعلينا أن تستلهم الحكمة من موقف رائد النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس (وهو ابن قسنطينة) خادم الإسلام والعربية، الذي أكـّد انتماءه الأمازيغي، حينما وقـّع مقاله الموسوم: "ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان" باسم عبد الحميد بن باديس الصنهاجي (وصنهاجة قبيلة كبيرة من قبائل الأمازيغ).
ولعل من المجالات التي تجلت فيها "الرؤية الثاقبة" للحركة الإصلاحية الفكرية الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي، إبرازها للمكوّن الأمازيغي في تاريخ الجزائر لاعتبارات علمية وسياسية، هدفها بعث الروح الوطنية في صفوف الجزائريين. فقد أفاض كل من مبارك الميلي، وأحمد توفيق المدني، وعبد الرحمن الجيلالي، ومحمد علي دبوز، في الحديث عن الحقبة الأمازيغية في كتبهم.
وبالإضافة إلى ذلك، أدرج بعض شعراء الحركة الإصلاحية، المكوّن الأمازيغي ضمن اهتماماتهم التاريخية لنفس الاعتبارات، أذكر منهم علي سبيل المثال الشيخ أحمد سحنون ، الذي أشار إلى البعد الأمازيغي في قصيدة له بعنوان: "العامل الجزائري" حين قال:
أنا ابن الجزائر من <<>> لـه مثــل آبائـــيهْ؟
أنا ابن الأمازيغ لن <<>> أذل لأعــدائــــيهْ
وهكذا لا شيء يبرّر التنكر للبعد الأمازيغي في تاريخ قسنطينة. ومهما كان حماسنا للقومية العربية، فلا يجب أن نقفز على التاريخ. فهناك من الطرائق المعقولة ما يمكـّنـنا من خدمة مشروع الوحدة العربية، دون أن نتنكر للخصوصية المحلية، بدليل أن إخواننا المشارقة الحاضنين لمشروع القومية العربية بشكل كبير، قد عضوا بالنواجذ على عمقهم التاريخيّ. فقد جعل المصريون حضارة الفراعنة رمزا من رموز الدولة، كما تبوّأت الحضارة الفينيقية مقاما محمودا في هوية لبنان، أمّا في العراق فحدّث ولا حرج، إذ نجد الحضارات القديمة (السومرية والكلدانية والبابلية والآشورية) علامة بارزة في ثقافتها.
إن التاريخ كالنهر، هو سيل متدفق من الأحداث، فلا يمكن تجزئته وتفتيته إلى منبع وإلى مصب، فالنهر نهر بمنبعه ومصبه. ومدينة قسنطينة هي قسنطينة ببعديْها الأمازيغي والعربي. واختيارها عاصمة للثقافة العربية لسنة 2015م، هي فرصة سانحة لتمتين اللحمة مع وعائنا الحضاري الأكبر، وعاء الحضارة العربية الإسلامية التي جعل الله لها التنوع الثقافي وتعدد الألسن آية من آياته.
بقلم
ارزقي فراد
الليث الأصفر- الملك
- عدد المساهمات : 804
تاريخ التسجيل : 08/05/2012
العمر : 44
رد: قسنطينة أمازيغية ليبيقية يا عثمان سعدي
مشكور موضوع مميز
الأرنبة البيضاء- الوزير
- عدد المساهمات : 526
تاريخ التسجيل : 02/04/2012
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 10 يونيو 2021 - 12:49 من طرف الفهد الابيض
» وزارة التعليم العالي تقترح مسودّة مشروع وتستعدّ لسنّ قانون جديد
الخميس 17 مارس 2016 - 9:57 من طرف الفهد الابيض
» 28 مارس بداية التسجيل لمسابقة توظيف 28 ألف أستاذ
الخميس 17 مارس 2016 - 9:42 من طرف الفهد الابيض
» الذكرى الـ 54 لعيد النصر ووقف إطلاق النار
الخميس 17 مارس 2016 - 9:32 من طرف الفهد الابيض
» التوظيف بدايتا من مارس
السبت 13 فبراير 2016 - 23:29 من طرف الليث الأصفر
» مكتبة المدرسة
الخميس 28 يناير 2016 - 10:06 من طرف الفهد الابيض
» الجدول الدوري عناصر كيميائية جديدة
الثلاثاء 26 يناير 2016 - 15:26 من طرف الفهد الابيض
» زيت الزيتون بركة،صحة وغداء
الإثنين 18 يناير 2016 - 11:47 من طرف ouahid
» عيد يناير أو عندما تتحد البدعة والظلال
الثلاثاء 12 يناير 2016 - 9:29 من طرف ouahid